إسرائيل في عزلة- حرب غزة تكشف أزمة الدعم الغربي وتحديات ما بعد الحرب

المؤلف: طارق حمُود11.10.2025
إسرائيل في عزلة- حرب غزة تكشف أزمة الدعم الغربي وتحديات ما بعد الحرب

لا تزال فُرص تحقيق وقف نهائي لإطلاق النار محفوفة بعقبات جمة، تتمركز جميعها حول المأزق الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب، وتتعقد بسبب المعضلة الشخصية التي يواجهها نتنياهو، والفرصة الأخيرة التي يتمسك بها اليمين المتطرف للبقاء في السلطة، إضافة إلى إخفاق الجيش الإسرائيلي في تقديم رؤية أمنية واضحة لتموضعه في غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية. يتفاقم هذا الوضع في ظل استمرار إطلاق الصواريخ في اليوم الـ 171 من الحرب الطاحنة التي لم تُبقِ شيئًا في غزة، باستثناء جذوة المقاومة التي تزداد اشتعالًا.

وسط هذه الأجواء المضطربة، بدأت مظلة الدعم الدولي الغربي لحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة بالتفكك تدريجيًا. فعلى الرغم من استمرار بعض الدول في احتضان الجريمة ودعم مرتكبيها، إلا أن المواقف الغربية بدأت تتفق على ضرورة إنهاء الحرب، والحد من الخسائر الفادحة التي تلحق بسمعة الغرب ومكانته الأخلاقية على الساحة العالمية.

يزيد من تعقيد المشهد أن الموقف من الحرب الإسرائيلية أصبح، وللمرة الأولى في التاريخ السياسي الغربي، عاملاً حاسمًا في الانتخابات، حيث تؤثر نظرة المرشحين للقضية الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر على فرصهم في الفوز. وفي هذه اللحظة التي تتعارض فيها مصالح السلطة السياسية الغربية مع السلوك الإسرائيلي، تتجلى أعظم مخاوف المشروع الصهيوني ودولته الاستيطانية، فالعلاقة الوثيقة بين الغرب ومستعمرته المقنعة في الشرق هي التفسير الوجودي الوحيد لإسرائيل ككيان قابل للحياة والاستمرار.

معضلات معقدة

تواجه إسرائيل اليوم سلسلة من المعضلات المعقدة التي تمنعها من الاستجابة لمطالبات وقف الحرب، على الرغم من استنفادها لكل الوقت الذي مُنح لها دوليًا لإتمام مهمتها المعلنة. فهي لا تستطيع الاستمرار في حربها دون دعم غربي عسكري وسياسي، وفي الوقت نفسه، لا تستطيع وقف الحرب دون إيجاد حلول للإجابات الغائبة لأسئلة مرحلة ما بعد الحرب.

وفي ظل هذا الوضع، تواصل القيادة الإسرائيلية ارتكاب الجرائم على الرغم من انكشافها الدولي، حيث تراهن على قدرتها وقدرة اللوبي الداعم لها في الغرب على إصلاح هذا التراجع في العلاقة في وقت لاحق. وهذا التوقع يبدو واقعيًا إلى حد كبير، نظرًا إلى النفوذ الواسع الذي يتمتع به هذا اللوبي داخل النخبة السياسية الغربية.

صحيح أنه لا يمكن التعويل كثيرًا على المواقف المتغيرة للحكومات الغربية تجاه الحرب، فالولايات المتحدة وحلفاؤها الذين دعموا قرار مجلس الأمن الأخير، لا يزالون يمثلون شريان الحياة لهذه الحرب، من خلال الدعم العسكري والاقتصادي المستمر. لم تتغير علاقة هذه الحكومات بدولة الاحتلال، وهذه المواقف ما هي إلا محاولة يائسة للدفاع عن النفس في مواجهة السمعة المتدهورة التي كشفتها أصوات النشطاء، الذين أخذوا على عاتقهم إفساد أي ظهور علني للمسؤولين الغربيين ومحاصرتهم اجتماعيًا.

تسعى إدارة بايدن من خلال قرار مجلس الأمن، الذي يطالب بوقف الحرب خلال شهر رمضان، إلى الضغط على نتنياهو ومجلس حربه لعقد هدنة يكون ثمنها إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، بدلاً من وقف إطلاق نار مجاني. وفي الوقت نفسه، تحتاج الإدارة الأمريكية إلى تقديم نفسها كصانعة للسلام، تمامًا كما تصنع الحرب، أمام شرائح معينة من الناخبين الأميركيين.

في هذا السياق، يتركز الخطاب السياسي الغربي على انتقاد نتنياهو شخصيًا، وليس على محاسبة إسرائيل أو جيشها الذي يرتكب جرائم حرب. بل يتم تلطيف صورة رموز الإبادة الآخرين، مثل غانتس وغالانت، صاحب وصف "الحيوانات البشرية"، وتسويقهما على أنهما قيادة عقلانية وحكيمة. ومع ذلك، يعلم الجميع أن كلاهما ليسا مؤيدين لوقف الحرب في غزة، ولا يختلفان عن نتنياهو في هذا الصدد.

نتنياهو، على الرغم من فساده واستحقاقه للعزل، هو الكبش المناسب لتحميله وحده مسؤولية براءة باقي المجرمين في هذه الحرب. فهو المسؤول فعليًا عن الفشل في إتمام المهمة على الرغم من الوقت والدعم اللذين مُنحا له، ومن جهة أخرى، يعلم الجميع أنه منتهٍ سياسيًا، وأن استمرار الحرب هو ورقته الأخيرة لتأخير هذا الإعلان.

سيُعمّق هذا التحول في الموقف الغربي من عزلة نتنياهو بلا شك. الرجل الذي كان حتى السادس من أكتوبر/تشرين الأول يتباهى بإنجازه الوحيد، وهو قدرته على بناء العلاقات والتحالفات الدولية لإسرائيل في أماكن مستحيلة، يقف اليوم معزولًا دوليًا بشكل تام، بعد أن منحه العالم "الحر" شيكًا على بياض لارتكاب أبشع حرب إبادة يشهدها القرن الحادي والعشرون. ومع ذلك، فشل في استثمار هذا الدعم، ويطلب المزيد بعد ستة أشهر من الحرب.

كيان منبوذ

مع ذلك، لا يمكن الاستهانة بتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يتضمن لفظًا لوقف إطلاق النار للمرة الأولى، على الرغم من أن القرار لا يمنح الوقف النهائي للحرب بشكل كامل، إلا أنه يمثل الموقف الأول منذ بداية هذه الحرب الذي تقف فيه إسرائيل معزولة تمامًا، حتى عن أقرب حواضنها الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

على الرغم من سطحية المطلب وتفاهته الإنسانية مقارنة بالجريمة المرتكبة وتداعياتها، فإن قرار مجلس الأمن الأخير يمثل لحظة نادرة إذا ما قارناها بالمواقف الغربية الهستيرية في الشهور الأولى للحرب. لقد خسرت إسرائيل المعركة العسكرية، وهي في طريقها لخسارة استراتيجية قد تؤسس لانطلاقة فهم جديد لكيفية التعامل مع المكاسب والتكاليف المتوقعة من المستعمرة الاستيطانية القائمة على الحماية الغربية فقط.

ينبع هذا التحول من حراك عالمي متزايد، خاصة في الولايات المتحدة، يستهدف بدقة لوبيات الضغط الصهيونية التي تخترق القرار السياسي، مثل الحملات التي انطلقت ضد لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، التي تعتبرها أطراف معارضة ذات ولاء إسرائيلي مطلق، حتى على حساب المصلحة الوطنية الأميركية.

وهذا يمثل تطورًا لافتًا في اتجاهات الحراك الشعبي المناهض للاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، كشفت هذه الحرب عن انقسام جيلي عميق في الموقف السياسي في الغرب، حيث تتزايد بشكل ملحوظ أعداد الشباب الذين يدركون حقيقة إسرائيل كاحتلال ونظام فصل عنصري، في مقابل جيل الكبار الذي لا يزال موقفه محكومًا برواية الإعلام التقليدي، المرتبط بدوره باختراق اللوبيات وحملات التخويف التي تتقن صناعتها في مواجهة الروايات "المنحرفة" عن المسار المرسوم.

يمكن القول إن هذه الحرب ربما أوصلت العلاقة بين الحواضن الدولية الغربية ومستعمرتها الشرقية إلى مستوى تتعادل فيه التكاليف مع العائدات، وهو مستوى قد يستوجب إعادة النظر في شكل هذه العلاقة السياسية، إما بإعادة إنتاجها بالشكل الذي يزيد العائد مقابل التكلفة، أو بخفض النفقات من أجل موازنة العائد.

منعطف حاسم

في كلتا الحالتين، يواجه المشروع الصهيوني منعطفًا حاسمًا، ليس فقط في علاقته بالأرض التي استعمرها ومع أصحابها، فهذه العلاقة محددة المعالم بطبيعة تكوينها كصراع أبدي بين مستعمر وحركة تحرر، بل أيضًا في علاقته بامتداداته الدولية كمشروع قادر على تقديم المزيد من الأهمية الاستراتيجية لوجوده واستمراره كمستوطنة استعمارية تتجاهل وجود الحقائق، التي لا تزال تكرر نفسها كل يوم بشكل ما، ولن يكون آخرها ما يجري في غزة الآن.

لا بد من التذكير بأن الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لا تزال تعطل كل الآليات الدولية الأخرى المتاحة من أجل منع تفاقم الوضع ووضع حد لهذه الحرب عند مستوى معين. كانت يد الفيتو الأمريكية واحدة من علامات الحرب التي لن ينساها العديد من ضحايا هذه الكارثة ومتابعيها.

لقد وقفت قيادات الغرب التي توافدت في زيارات الدعم على بعد مئات الأمتار من شريط غزة الحدودي، وعلى مسمع من أصوات الانفجارات، من أجل البكاء بعين واحدة، واختزال إنسانيتهم في رثاء جانب واحد فقط. كل ذلك لن يمحوَ ذاكرتَه شتم نتنياهو والتربيت على كتف شركائه في الجريمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة